عادت قطر إلى شرق ليبيا من خلال شحنات المساعدة الإنسانية لمتضرري سيول عاصفة دانيال وفريق قناة الجزيرة التي غادرت المنطقة منذ عام 2014، عندما احتدمت المواجهات المسلحة بين الجيش الوطني والجماعات المتشددة وظهرت أولى ملامح الانقسام الحكومي والسياسي بسبب هزيمة جماعة الإخوان في الانتخابات البرلمانية
ويعتبر بث الجزيرة لمواد مباشرة يؤمنها عدد من مبعوثيها إلى مدينة درنة المنكوبة تحولا مهما في اتجاه التطبيع مع السلطات السياسية والعسكرية بمنطقة الشرق الليبي بعد أن كان الطرفان في مواجهة مفتوحة، من أبرز ملامحها الحملات المعادية التي كان نظام الدوحة يشنها على الجيش ومجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه
ولاحظ المراقبون بداية تحول في موقف الجزيرة من الجيش الذي كانت تطلق عليه اسم “قوات شرق ليبيا التابعة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر” وباتت تسميه “الجيش الليبي في بنغازي” كحل وسط، مشيرين إلى أن مجرد فسح المجال أمام فريق الشبكة الإخبارية المثيرة للجدل كي تغطي الحدث المأساوي في المنطقة الشرقية يعتبر تطورا بالغ الأهمية
ووصلت مطلع الأسبوع الماضي طائرة قطرية على متنها مستشفى ميداني وحزمة مساعدات طبية إلى مطار بنينا في بنغازي، وقال متحدث الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، في إفادة إعلامية نشرتها الوزارة عبر منصة إكس، إن الطائرة حملت على متنها أيضا “مواد طبية وغذائية مقدمة من الهلال الأحمر القطري واللجنة الدائمة لأعمال الإنقاذ والإغاثة، والمساعدات الإنسانية في المناطق المنكوبة بالدول الشقيقة والصديقة (شكلت بقرار من مجلس الوزراء القطري في 2008)”
كما تقدم رئيس مجلس الوزراء القطري، وزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، بتعازيه للمتضررين وضحايا السيول في ليبيا. وأكد وقوف قطر حكومة وشعبا إلى جانب الشعب الليبي في هذه المحنة. وعلمت “العرب” أن القيادة العامة للجيش الليبي اشترطت على جميع الفرق الإعلامية التي وصلت إلى المنطقة الشرقية أن تعمل تحت إشرافها المباشر
وبحسب مصدر مطلع على الأمر قامت إدارة الإعلام والتعبئة بجمع كل الفرق الإعلامية، بما فيها فرق الجزيرة والعربية وسكاي نيوز عربية، في فندق واحد ووفرت لها أجهزة البث الفضائي ومنعتها من استعمال أجهزتها الخاصة التي اصطحبتها معها، وأن المراسلين تعهدوا بالالتزام بالشروط التي عرضتها عليهم السلطات العسكرية. وبيّن المصدر أن السلطات العسكرية لم تمنع أي وسيلة إعلام من تغطية الأحداث المتصلة بفاجعة درنة، شريطة أن يكون ذلك تحت إشرافها ورقابتها، وفي ظل إدارتها التامة لخدمات النقل والإقامة وتحديد مواقع التصوير والإرسال الفضائي
ورأى مراقبون أن قناة الجزيرة سعت إلى تهدئة الأجواء مع قيادة الجيش الليبي وإلى تجنب أي اصطدام معها، وذلك من خلال التركيز على وصف الوقائع وتصوير ما يدور على الأرض دون التعرض لأي طرف قد يكون مسؤولا عن الكارثة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ودون المساس بالجيش وقيادته العامة. ورجح المراقبون أن يكون هناك توجه نحو طي صفحة الماضي في العلاقات بين الدولة الخليجية وسلطات شرق ليبيا بعد سنوات التوتر والصراع التي تميزت بدعم السلطات القطرية لجماعات الإسلام السياسي، ومنها تلك التي كانت تُحكم قبضتها على مدينة درنة من فبراير 2011 حتى صيف 2018 تاريخ تحريرها من قبل قوات الجيش، معتبرين أن التطورات الحاصلة في الداخل الليبي وعلى مستوى الإقليم تدفع نحو هذا الاتجاه
وفي موقف لافت أعرب المتحدث باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري عن شكر القيادة للدعم الذي تلقته بلاده من عدد من الدول العربية من بينها قطر، وهي المرة الأولى التي يشكر فيها المسماري الدولة الخليجية التي كان كثيرا ما يتهمها بدعم الإرهاب وتسليح الجماعات المتطرفة والتآمر على ليبيا وشعبها. وكان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قد زار قطر في سبتمبر 2022 وقال إنه بحث مع أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أوجه تنمية وتعزيز التعاون بين البلدين، والمستجدات الراهنة في ليبيا، بالإضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية
وأظهرت صور وزعها الديوان الأميري القطري حضور بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني، للاجتماع الذي قالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية إن “صالح أطلع الأمير خلاله على آخر تطورات الأوضاع في ليبيا”، معربا عن “شكره وتقديره على دعم دولة قطر المتواصل والدائم لدولة ليبيا وشعبها”. وبعد زياراته المتعددة إلى الدوحة تم تكليف بلقاسم حفتر من قبل والده بإدارة ملف العلاقات مع النظام القطري، لاسيما بعد “إعلان العلا” للمصالحة الخليجية الصادر في 5 يناير 2021 بين قطر من جهة وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ثانية، وكذلك بعد حصول خرق واضح في جدار الخلاف مع تركيا أدى إلى تركيز جسور جدية للتواصل بين بنغازي وأنقرة
وفي الوقت الذي تبدي فيه قطر رغبتها في العودة إلى بنغازي والتعامل مع سلطة الأمر الواقع من باب الدفاع عن مصالحها في سياقات التنافس الإقليمي والدولي، وخاصة المصري – التركي، على كعكة إعادة الإعمار والاستثمار في مناطق شرق وجنوب البلاد، يجد حفتر الظرف ملائما لتقليص دائرة الأعداء والاستفادة من التحولات التي تشهدها المنطقة؛ وذلك عبر المصالحات وتسبيق المصالح على صراعات المحاور والمواجهات السياسية والأيديولوجية التي سادت خلال السنوات الماضية.
0 Comments: